ا
لسلام عليكم ورجمة الله وبركاتةالإيمان باليومالآخر : هو التصديق الجازم بكلما أخبر به الله تعالى في كتابه ،وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فيسنته مما يكون بعد الموت من فتنةالقبر ، وعذابه ونعيمه والبعث والحشروالصحف والحساب والميزان والحوضوالصراط والشفاعة والجنة والنار وماأعد الله تعالى لأهلها جميعاً ومايكون بين يدي الساعة من علامات صغرىوكبرى .
واليوم الآخر: يوم القيامةالذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاءوسمي بذلك لأنه لا يوم بعده، حيثيستقر أهل الجنة في منازلهم وأهلالنار في منازلهم.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثةأمور:
الأول: الإيمان بالبعث وهوإحياء الموتى حين ينفخ في الصورالنفخة الثانية، فيقوم الناس لربالعالمين حفاة غير منتعلين، عراة غيرمستترين، غرلا غير مختتنين ، قالالله تعالى : {كَمَا بَدَأْنَآأَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداًعَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ}33. والبعث حق ثابتدل عليه الكتاب والسنة وإجمـاعالمسلمين، قال تعالى: {ثُمّإِنّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيّتُونَ* ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِتُبْعَثُونَ}34،وقال النبي صلى اللهعليه وسلم (يحشر الناس يومالقيامة حفاة عراة غرلا)35. وأجمع المسلمونعلى ثبوته ، وهو مقتضى الحكمة حيثتقتضي أن يجعل الله تعالى لهذهالخليقة معاداً يجازيهم فيه على ماكلفهم به على ألسنة رسله ، قال اللهتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْأَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاًوَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَتُرْجَعُونَ}36 ، وقال لنبيه صلى اللهعليه وسلم{إِنّ الّذِي فَرَضَعَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدّكَإِلَىَ مَعَادٍ}37.
الثاني: الإيمان بالحسابوالجزاء ، يحاسب العبد على عملهويجازى عليه، وقد دل على ذلك الكتابوالسنة وإجمـاع المسلمين، قال اللهتعالى:{إِنّ إِلَيْنَآإِيَابَهُمْ * ثُمّ إِنّ عَلَيْنَاحِسَابَهُمْ}38.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: " إن اللهيدني المؤمن فيضع عليه كنفه (39)ويستره ، فيقول : أتعرف ذنب كذا أتعرفذنب كذا؟ فيقول نعم أي رب ، حتى إذاقرره بذنوبه ورأى أنه قد هلك، قال: قدسترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرهالك اليوم ، فيعطى كتاب حسناته ، وأماالكفار والمنافقون فينادى بهم علىرؤوس الخلائق {هَـَؤُلآءِ الّذِينَكَذَبُواْ عَلَىَ رَبّهِمْ أَلاَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ}"40 . متفق عليه.
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحسابوالجزاء على الأعمال وهو مقتضىالحكمة.
الثالث: الإيمان بالجنةوالنار وأنهما المآل الأبدي للخلق.فالجنة دار النعيم الـتي أعدها اللهتعالى للمؤمنين المتقين الذين آمنوابما أوجب الله عليهم الإيمان به،وقاموا بطاعة الله ورسوله مخلصين للهمتبعين لرسوله، فيها من أنواع النعيمما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرعلى قلب بشر ، قال الله تعالى: {إِنّالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْالصّالِحَاتِ أُوْلَـَئِكَ هُمْخَيْرُ الْبَرِيّةِ * جَزَآؤُهُمْعِندَ رَبّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍتَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُخَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِىَاللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبّهُ}41 ، وقال تعالى:{فَلاَتَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُممّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَاكَانُواْ يَعْمَلُونَ}42.
وأما النار فهي دار العذاب التيأعدها الله تعالى للكافرين الظالمينالذين كفروا به وعصوا رسله ، فيها منأنواع العذاب و النكال مالا يخطر علىالبال، قال الله تعالى: {وَاتّقُواْالنّارَ الّتِيَ أُعِدّتْلِلْكَافِرِينَ}43 ، وقال: {إِنّاأَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ نَاراًأَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنيَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍكَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَبِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْمُرْتَفَقاً}44.
وللإيمان باليوم الآخر ثمرات جليلةمنها :
الأول : الرغبة في فعلالطاعة والحرص عليها رجاءً لثواب ذلكاليوم.
الثانية : الرهبة من فعلالمعصية ومن الرضى بها خوفاً من عقابذلك اليوم.
الثالثة : تسلية المؤمن عمايفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيمالآخرة وثوابها.
وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموتزاعمين أن ذلك غير ممكن وهذا الزعمباطل دل على بطلانه الشرع والحسوالعقـل.
أما الشرع فقد قال الله تعالى : {زَعَمَالّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّنيُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّيلَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّبِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَىاللّهِ يَسِيرٌ}45 ، وقد اتفقت جميعالكتب السماوية عليه.
وأما الحس فقد أرى الله عباده إحياءالموتى في هذه الدنيا، وفي سورةالبقرة خمسة أمثلة على ذلك ومنها:
المثال الأول : قوم موسى حينقالوا له لن نؤمن لك حتى نرى اللهجهرة فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم ،وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطباً بنيإسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْيَامُوسَىَ لَن نّؤْمِنَ لَكَحَتّىَ نَرَى اللّهَ جَهْرَةًفَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُوَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمّبَعَثْنَاكُم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ}46.
المثال الثاني : في قصةالقتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل.البقرة : 73
المثال الثالث: في قصةالذين خرجوا من ديارهم فراراً منالموت وهم ألوف فأماتهم الله تعالىثم أحياهم. البقرة : 243
المثال الرابع : في قصة الذيمر على قرية ميتة فاستبعد أن يحييهاالله تعالى فأماته الله تعالى مئةسنة ثم أحياه. البقرة:259
المثال الخامس: في قصةإبراهيم الخليل حين سأل الله تعالىأن يريه كيف يحيي الموتى. البقرة :260
فهذه أمثلة حسية واقعة تدل على إمكانإحياء الموتى. وقد سبقت الإشارة إلىما جعله الله تعالى من آيات عيسى بنمريم في إحياء الموتى وإخراجهم منقبورهم بإذن الله تعالى.
وأما دلالة العقل علىإمكان البعث فمن وجهين:
الأول : أن الله تعالى فاطرالسماوات والأرض وما فيهما خالقهماابتداء والقادر على ابتداء الخلق لايعجز عن إعادته ، قال الله تعالى : {وَهُوَالّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّيُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}47.
الثاني : أن الأرض تكون ميتةهامدة ليس فيها شجرة خضراء فينزلعليها المطر فتهتز خضراء حية فيها منكل زوج بهيج والقادر على إحيائها بعدموتها قادر على إحياء الأموات، قالالله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِأَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةًفَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَاالْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّالّذِيَ أَحْيَاهَا لَمُحْىِالْمَوْتَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّشَيْءٍ قَدِيرٌ}48.
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر :الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:
(أ)فتنة القـبر:وهي سؤال الميت بعد دفنه ، عن ربهودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوابالقول الثابت فيقول المؤمن ربي اللهوديني الإسلام ونبي محمد صلى اللهعليه وسلم ، ويضل الله الـظالمينفيقول الكافر هاه هاه لا أدري . ويقولالمنافق أو المرتاب (49) لا أدري سمعتالناس يقولون شيئاً فقلته.
(ب)عذاب القبر ونعيمه:فأما عذاب القبر فيكون للظالميـنمن المنافقين والكافرين ، قال اللهتعالى: {وَلَوْ تَرَىَ إِذِالظّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِالْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُبَاسِطُوَاْ أَيْدِيهِمْأَخْرِجُوَاْ أَنْفُسَكُمُالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَالْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَعَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقّوَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِتَسْتَكْبِرُونَ}50 ، وقال تعالى في آلفرعون: {النّارُ يُعْرَضُونَعَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاًوَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُأَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّالْعَذَابِ}51 . وفي صحيح مسلم أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذوابالله من عذاب القبر .
وأما ، نعيم القبر فللمؤمنينالصادقين قال الله تعالى: {إِنّالّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُعَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّتَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْوَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِيكُنتُمْ تُوعَدُونَ}52.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال فيالمؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: "ينادي مناد من السماء أن صدق عبديفأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنةوافتحوا له باباً إلى الجنة ، قالفيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فيقبره مد بصره " رواه أحمد وأبو داودفي حديث طويل.
وقد ضل قوم من أهلالزيغ أنكروا عذاب القبر ونعيمهزاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفتهالواقع ، قالوا فإنه لو كشف عن الميتفي قبره لوجد كما كان عليه والقبر لميتغير بسعة ولا ضيق .
وهذا الزعم باطل بالشرع والحس والعقل:
أما الشرع فقد سبقت النصوص الدالةعلى ثبوت عذاب القبر ونعيمه. وفي صحيحالبخاري . من حديث ابن عباس رضي اللهعنهما، قال: خرج النبي صلى الله عليهوسلم من بعض حيطان ، المدينة فسمع صوتإنسانين يعذبان في قبورهما وذكرالحديث وفيه : أن أحدهما كان لايستتر من البول وأن الآخر كان يمشيبالنميمة.
وأم الحس فإن النائم يرى في منامه أنهكان في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه، أوأنه كان في مكان ضيق موحش يتـألم منه،وربما يستيقـظ أحيانا مما رأى و معذلك فهـو على فراشه في حجرته على ماهو عليه، والنوم أخو الموت، ولهذاسماه الله تعالى وفاة، قال اللهتعالى: {اللّهُ يَتَوَفّىالأنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَالّتِيلَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَافَيُمْسِكُ الّتِي قَضَىَ عَلَيْهَاالْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُخْرَىَإِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى}53.
وأما العقل فإن النائمفي منامه يرى الرؤيا الحق المطابقةللواقع وربما رأى النبي صلى اللهعليه وسلم على صفته ومن رآه على صفتهفقد رآه حقا، ومع ذلك فالنائم فيحجرته على فراشه بعيدا عما رأى فإذاكان هذا ممكنا في أحوال الدنيا أفلايكون ممكنا في أحوال الآخرة ؟؟!